مي الخليل
ليلة خريفية متوسطة البرودة، وحدها كما كل ليلة تجلس بصحبة كوب قهوتها ودفترها الصغير ذو الغلاف الأسود المزين بخطوط ذهبية براقة، تذكر تمامًا وقبل سنوات طويلة يوم اشترته ذات صيف حين كانت تتسوق مع والدتها في إحدى المرَّات القليلة؛ بل النادرة التي صاحبتها فيها أمّها بمشوار كما تحب، وكيف لا وهي أساسًا ندر ما تراها ووالدها، فمعظم حياتهما ومنذ وعت الحياة يقضونها في الخارج، وهي هنا محكومة بغربتهم ووحدتها، يومها تعجبت منها أمها كيف تختار دفتراً بهذا اللون الكئيب ومازالت طفلة ظنت أنها قد تختار آخر ورديًا أو زمردياً مثلاً، وجهلت ما بقلب ابنتها قد يدفعها لتنسى طفولتها هكذا وتتخير من الأشياء ما لا يناسب عمرها.
كتبت ولأول مرة تقرر أن تزيح الستار عما يعتمل في نفسها دون قيود، أو دون أن تحاول أن تخفي شيئاً من الحقيقة التي أرقتها طوال عمرها، وهي الآن صبية على أعتاب الثلاثين تواجه الحياة بكل تفاصيلها وحدها.